فصل: تفسير الآية رقم (5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام



.سورة الحشر:

وهي مدنيّة.
قال القرطبي: في قول الجميع.

.تفسير الآية رقم (5):

الآية الأولى:
{ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (5)}.
{ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (5)} قال مجاهد: إن بعض المهاجرين وقعوا في قطع النخل، فنهاهم بعضهم وقالوا: إنما هي مغانم للمسلمين. وقال الذين قطعوا: بل هو غيظ للعدو، فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطع النخيل وتحليل من قطعه من الإثم.
واختلف المفسرون في تفسير اللينة؟
فقال الزهري ومالك وسعيد بن جبير وعكرمة والخليل: إنها النخل كله إلا العجوة.
وقال الثوري: هي كرام النخل.
وقال أبو عبيدة: إنها جميع ألوان التمر سوى العجوة والبرني.
وقال جعفر بن محمد: إنها العجوة خاصة.
وقيل: هي ضرب من النخل.
وقال الأصمعي: هي الدقل، وأصل اللينة لونة فقلبت الواو الساكنة ياء لانكسار ما قبلها، وجمع اللينة لين، وقيل: ليان.
وقد استدل بالآية على أن حصون الكفار وديارهم لا بأس بأن تهدم وتحرق وترمى بالمجانيق، وكذلك قطع أشجارهم ونحوها.
وكذا استدل بها على جواز الاجتهاد، وعلى تصويب المجتهدين، والبحث مستوفى في كتب الأصول.

.تفسير الآية رقم (6):

الآية الثانية:
{وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)}.
{وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ}: أي ما رده عليه من أموال الكفار، والضمير عائد إلى بني النضير.
{فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ} يقال: وجف البعير يجف وجفا: وهو سرعة السير، وأوجفه صاحبه إذا حمله على السير السريع.
والركاب: ما يركب من الإبل خاصة.
والمعنى لم تركبوا لتحصيله خيلا ولا إبلا ولا تجشمتم لها مشقة ولا لقيتم به حربا، وإنما كانت من المدينة على ميلين، فجعلها اللّه سبحانه لرسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وبارك وسلم خاصة، فإنه افتتحها صلحا وأخذ أموالها، وقد كان يسأله المسلمون أن يقسم لهم فنزلت الآية.
{وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ}: من أعدائه، وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم دون أصحابه، لكونهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب، بل مشوا إليها مشيا ولم يقاسوا فيها شيئا من شدائد الحروب.
{وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)}، يسلط من يشاء على من أراد، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء، {لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23)} [الأنبياء: 23].

.تفسير الآية رقم (7):

الآية الثالثة:
{ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (7)}:
{ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ}: هذا بيان لمصارف الفيء بعد بيان أنه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خاصة، والتكرير لقصد التقرير والتأكيد.
ووضع {مِنْ أَهْلِ الْقُرى}، موضع قوله: {مِنْهُمْ} للإشعار بأن هذا الحكم لا يختص ببني النضير وحدهم، بل هو حكم على كل قرية يفتحها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم صلحا، ولم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب.
والمراد بالقرى بنو النضير وقريظة وفدك وخيبر.
وقد تكلم أهل العلم في هذه الآية والتي قبلها: هل معناهما متفق أو مختلف؟
فقيل: معناهما متفق كما ذكرنا، وقيل: مختلف. وفي ذلك كلام لأهل العلم طويل.
قال ابن العربي: لا إشكال في أنها ثلاثة معان في ثلاث آيات:
أما الآية الأولى وهي قوله: {وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} فهي خاصة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، خالصة له وهي أموال بني النضير وما كان مثلها.
وأما الآية الثانية وهي: {ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى} فهذا كلام مبتدأ غير الأول المستحق غير الأول، وإن اشتركت هي والأولى في أن كل واحدة منهما تضمنت شيئا أفاءه اللّه على رسوله، واقتضت الآية الأولى أنه حاصل بغير قتال، واقتضت آية الأنفال وهي الآية الثالثة أنه حاصل بقتال، وعريت الآية الثانية وهي: {ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى} عن ذكر حصوله بقتال أو بغير قتال، فنشأ الخلاف من هاهنا:
فطائفة قالت: هي ملحقة بالأولى وهي مال الصلح.
وطائفة قالت: هي ملحقة بالثالثة وهي آية الأنفال، والذين قالوا إنها ملحقة باية الأنفال اختلفوا هل هي منسوخة؟ أو محكمة؟ هذا أصل كلامه.
وقال مالك: إن الآية الأولى من هذه السورة خاصة برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، والآية الثانية هي في بني قريظة، يعني أن معناها يعود إلى آية الأنفال.
ومذهب الشافعي أن سبيل خمس الفيء سبيل خمس الغنيمة، وأن أربعة أخماسه كانت للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وهي بعده لمصالح المسلمين.
{فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}: المراد بقوله: {فَلِلَّهِ} أنه يحكم فيه بما يشاء، وللرسول ويكون ملكا له، ولذي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، لأنهم قد منعوا من الصدقة فجعل لهم حقا في الفيء، قيل: تكون القسمة في هذا المال على أن تكون أربعة أخماسه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وخمسه يقسم أخماسا للرسول خمس ولكل صنف من الأصناف الأربعة المذكورة خمس.
وقيل: يقسم أسداسا، السادس سهم اللّه سبحانه، ويصرف إلى وجوه القرب، كعمارة المساجد ونحو ذلك.
{كَيْ لا يَكُونَ}: أي الفيء.
{دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ} دون الفقراء.
والدولة: اسم للشيء يتداوله القوم بينهم يكون لهذا مرة ولهذا مرة.
قال مقاتل: المعنى أنه يغلب الأغنياء الفقراء فيقسمونه بينهم ثم لما بين لهم سبحانه مصارف هذا المال أمرهم بالاقتداء برسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ}: أي ما أعطاكم من مال الغنيمة.
{فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ}: أي عن أخذه.
{فَانْتَهُوا} عنه ولا تأخذوه.
قال الحسن والسدي: ما أعطاكم من مال الفيء فاقبلوه، وما منعكم منه فلا تطلبوه.
وقال ابن جريج: ما أتاكم من طاعتي فافعلوا وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه.
والحق أن هذه الآية عامة في كل شيء يأتي به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من أمر أو نهي أو قول أو فعل، وإن كان السبب خاصا فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكل شيء أتانا به من الشرع فقد أعطانا إياه وأوصله إلينا، وما أنفع هذه الآية وأكثر فائدتها.
ثم لما أمرهم بأخذ ما أمرهم بأخذه الرسول وترك ما نهاهم عنه أمرهم بتقواه وخوفهم شدة عقوبته فقال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ} فهو معاقب لمن لم يأخذ ما آتاه الرسول ولم يترك ما نهاه عنه.

.سورة الممتحنة:

ثلاث عشرة آية.
وهي مدنيّة، قال القرطبي: في قول الجميع.

.تفسير الآيات (8- 9):

الآيتان الأولى والثانية:
{لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)}.
{لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ}: بدل من الموصول بدل اشتمال.
{وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}: يقال أقسط إلى الرجل إذا عاملته بالعدل.
قال الزجاج: المعنى وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)}: أي العادلين. ومعنى الآية أن اللّه سبحانه لا ينهى عن بر أهل العهد من الكفار الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال، وعلى أن لا يظاهروا الكفار عليهم، ولا ينهى عن معاملتهم.
قال ابن زيد: كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال ثم نسخ.
قال قتادة: نسختها {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5].
وقيل: هذا الحكم كان ثابتا في الصلح بين النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وبين قريش فلما زال الصلح بفتح مكة نسخ الحكم.
وقيل: هي خاصة في خلفاء النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ومن بينه وبينه عهد، قاله الحسن.
قال الكلبي: هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناة.
وقال مجاهد: هي خاصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا.
وقيل: هي خاصة بالنساء والصبيان.
وحكى القرطبي عن أكثر أهل التأويل أنها محكمة.
ثم بيّن سبحانه من لا يحل بره ولا العدل في معاملته، فقال: {إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ}: وهم صناديد الكفر من قريش.
{وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ}: أي عاونوا الذين قاتلوكم وأخرجوكم على ذلك، وهم سائر أهل مكة ومن دخل معهم في عهدهم.
{أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)}: أي الكاملون في الظلم لأنهم تولوا من يستحق العداوة لكونه عدوا للّه ولرسوله ولكتابه وجعلوهم أولياءهم.

.تفسير الآيات (10- 11):

الآيتان الثالثة والرابعة:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)}.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ}: من بين الكفار، وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لما صالح قريشا يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاءهم من المسلمين فلما هاجر إليه النساء أبى اللّه أن يرددن إلى المشركين، وأمر بامتحانهن فقال: {فَامْتَحِنُوهُنَّ}: أي فاختبروهن.
وقد اختلف فيما كان يمتحن به؟ فقيل: كنّ يستحلفن باللّه ما خرجن من بغض زوج ولا رغبة من أرض إلى أرض ولا لالتماس دنيا، بل حبا للّه ولرسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ورغبة في دينه فإذا حلفت كذلك أعطى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها إليه.
وقيل: الامتحان هو أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه.
وقيل: ما كان الامتحان إلا بأن يتلو عليهن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الآية، وهي {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ} إلى آخرها.
واختلف أهل العلم هل دخل النساء في عهد الهدنة أم لا؟ على قولين: فعلى القول بالدخول تكون هذه الآية مخصصة لذلك العهد، وبه قال الأكثر. وعلى القول بعدمه لا نسخ ولا تخصيص.
{اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ}: هذه الجملة معترضة لبيان أن حقيقة حالهن لا يعلمها إلا اللّه سبحانه. ولم يتعبدكم بذلك وإنما تعبدكم بامتحانهن حتى يظهر لكم ما يدل على صدق دعواهن في الرغوب في الإسلام.
{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ}: أي علمتم ذلك، بحسب الظاهر بعد الامتحان الذي أمرتم به.
{فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}: أي إلى أزواجهن الكافرين.
{لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}: تعليل للنهي عن إرجاعهن.
وفيه دليل على أن المؤمنة لا تحل لكافر، وأن إسلام المرأة يوجب فرقتها من زوجها لا مجرد هجرتها، والتكرير لتأكيد الحرمة أو الأول لبيان زوال النكاح القديم، والثاني لامتناع النكاح الجديد.
{وَآتُوهُمْ}: أي وأعطوا أزواج هؤلاء اللاتي هاجرن وأسلمن مثل: {ما أَنْفَقُوا}: عليهن من المهور. قال الشافعي: إذا طلبها غير الزوج من قراباتها منع منها بلا عوض.
{وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} لأنهنّ قد صرن من أهل دينكم.
{إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}: أي مهورهن، وذلك بعد انقضاء عدتهن كما تدل عليه أدلة وجوب العدة.
{وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ}: قد قرأ الجمهور بالتخفيف من الإمساك. واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231].
وقرأ الحسن وأبو العالية وأبو عمرو بالتشديد من التمسك.
والعصم: جمع عصمة وهي ما يعتصم به. والمراد هنا عصمة عقد النكاح.
والمعنى أن من كانت له امرأة كافرة فليست له بامرأة لانقطاع عصمتها باختلاف الدين.
قال النخعي: هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر. وكان الكفار يزوجون المسلمين والمسلمون يتزوجون المشركات، ثم نسخ ذلك لهذه الآية. وهذا خاص بالكوافر المشركات دون الكوافر من أهل الكتاب، وقيل: عامة في جميع الكوافر، مخصصة بإخراج الكتابيات منها.
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه إذا أسلم وثنيّ أو كتابيّ لا يفرق بينهما إلا بعد انقضاء العدة.
وقال بعض أهل العلم: يفرق بينهما بمجرد إسلام الزوج، وهذا إنما هو إن كانت المرأة مدخولا بها، وأما إذا كانت غير مدخول بها فلا خلاف بين أهل العلم في انقطاع العصمة بينهما بالإسلام، إذ لا عدة عليها.
{وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا}: أي اطلبوا مهور نسائكم اللاحقات بالكفار.
قال المفسرون: كان من ذهب من المسلمات مرتدة إلى الكفار من أهل العهد، يقال للكفار: هاتوا مهرها، ويقال للمسلمين إذا جاءت امرأة من الكفار إلى المسلمين وأسلمت: ردوا مهرها على زوجها الكافر.
{ذلِكُمْ}: أي المذكور من إرجاع المهور من الجهتين.
{حُكْمُ اللَّهِ}، ورسوله.
{يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)}: قال القرطبي: وكان هذا مخصوصا بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة، بإجماع المسلمين.
ولما نزلت الآية المتقدمة قال المسلمون: رضينا بحكم اللّه، وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا، فنزل قوله:
{وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ}: أي مما دفعتم.
{مِنْ أَزْواجِكُمْ} أي من مهور نسائكم المسلمات.
وقيل: المعنى وإن انفلت منكم أحد من نسائكم.
{إِلَى الْكُفَّارِ}: فارتدت المسلمة.
{فَعاقَبْتُمْ}: قال الواحدي، قال المفسرون: أي فغنمتم.
وقال الزجاج: تأويله وكانت العقبى لكم، أي كانت الغنيمة لكم حتى غنمتم.
{فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا}: من مهر المهاجرة التي تزوجوها ودفعوه إلى الكفار ولا تؤتوه زوجها الكافر.
قال قتادة ومجاهد: إنما أمروا أن يعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة، وهذه الآية منسوخة قد انقطع حكمها بعد الفتح.
وقال قوم: بل محكمة.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)}: أي احذروا أن تتعرضوا لشيء مما يوجب العقوبة عليكم، فإن الإيمان الذي أنتم متصفون به يوجب على صاحبه ذلك.